كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الشَّيْطَانَ} معنى عبادتهم للشيطان ليس معناها: أنهم سجدوا له ولا صاموا ولا صلوا، وإنما معناها: أنهم اتبعوا ما شرع لهم من وحي الشياطين، وأخذوا بقانونه ونظامه في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، قال الله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَاّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (٦٠) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (٦١)} ثم قال: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً} والله لقد أضل الشيطان منكم جمعاً وخلائق كثيراً، ويدخل فيها الدخول الأولي: هؤلاء الذين اتبعوا قانونه ونظامه وأعرضوا عن نظام الله المذكور في قوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} ثم قال: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً}، ثم وبخهم لخساسة عقولهم ودناءتها فقال: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} أليست عندكم عقول تعلمون أن من يطاع ويتبع تشريعه، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه هو خالق السماوات والأرض لا إبليس؟! ثم بين مصيرهم النهائي: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} [يس: الآيات ٦٠ - ٦٥] وفي التنزيل: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطَاناً مَّرِيداً (١١٧)} [النساء: آية ١١٧] يعني: ما يعبدون إلا الشيطان؛ لأنهم اتبعوا نظامه وقانونه، وتركوا نظام الله الذي شرعه على ألسنة رسله.
والذين يتحاكمون إلى غير ما أنزل الله، ويزعمون الإيمان، بَيَّن الله في سورة النساء أن دعواهم هذه كاذبة يُتعجب من كذبها، وكيف تجرءوا على قولها، حيث قال لنبيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ

الصفحة 30