كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

الذال، وعلى قراءة ابن عامر: {يتذكرون} فهو من الغَيْبة لا مِنَ الخِطَاب، فالفعل للغائبين لا للمخاطبين (¬١).
وقوله: {قَلِيلاً} يعربونه مصدراً (¬٢)، والمعنى: تتذكرون تَذَكّراً قليلاً؛ لأن الكفار ربما تذكروا تذكراً قليلاً فآمنوا، ولكنهم يراجعهم شركهم وكفرهم كما قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦)} [يوسف: آية ١٠٦] وزعمت جماعة من علماء العربية أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم يطلقون القِلَّة ويريدون بها العَدَمَ المحْضَ (¬٣)، يقولون: مررت بأرض قليل بها الكرَّاث والبصل. يعنون: لا كُرَّاثَ فيها ولا بصل. وهذا أسلوب معروف، ومنه قول غيلان ذي الرمة (¬٤):
أُنِيخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدة فَوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيلاً بهَا الأَصْوَاتُ إلا بُغَامُهَا

يعني: لا صوت فيها البتة إلا بُغام ناقته. ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حكيم يمدح يزيد بن المُهلب (¬٥):
أَشَمٌّ نَدِيٌّ كَثِيرُ النَّوَادِي ... قَلِيلُ المَثَالِبِ وَالقَادِحَهْ
---------------
(¬١) انظر: حجة القراءات ص٢٧٩.
(¬٢) لعله سبق لسان، والمراد: نعت مصدر محذوف. انظر: البحر المحيط لأبي حيان (٤/ ٢٦٧)، الدر المصون (٥/ ٢٤٦).
(¬٣) انظر: ابن جرير (٢/ ٣٢٩ - ٢٣٠)، بصائر ذوي التمييز (٤/ ٢٩٣)، القرطبي (٢/ ٢٦)، ابن عاشور (١/ ٦٠٠)، أضواء البيان (٢/ ٢٨٧).
(¬٤) البيت في مشاهد الإنصاف ص١٤٥، دفع إيهام الاضطراب ص٧٩.
(¬٥) البيت في ديوانه ص٨٦، دفع إيهام الاضطراب ص٧٨، وشطره الأول في الديوان:
أشم كثير البوادي النوال ... . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 36