كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
صالحٍ، وقومِ لوطٍ، وكان لوطٌ غيرَ بعيدٍ من أهلِ مدينَ كما تَقَدَّمَ في أحدِ التفسيرين في قولِه: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: آية ٨٩] وهذا معنَى قولِه: {وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
{وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٧)} [الأعراف: آية ٨٧].
قد آمَنَتْ لشعيبٍ طائفةٌ من قومِه كما يأتي في قولِه عن الكفارِ منهم: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} الآيةَ [الأعراف: آية ٨٨] فهذه الطائفةُ أَقَلُّ الطائفتين، فكانت طائفةٌ آمَنَتْ بشعيبٍ وطائفةٌ كَفَرَتْ به، فكانت تهددُ شعيبًا وقومَه بالإخلاءِ من الوطنِ والنفيِ من البلدِ أو يرجعوا إلى كفرِ الكفارِ فيكونوا معهم في كُفْرِهِمْ كما سيأتِي قريبًا.
فقال لهم نبيُّ اللهِ شعيبٌ: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ} لم تدخل تاءُ التأنيثِ هنا في قولِه: (كان) لأن تأنيثَ الطائفةِ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ؛ والفعلُ إذا أُسْنِدَ إلى مؤنثٍ تأنيثًا غيرَ حقيقيٍّ جازَ تجريدُه من التاءِ وإلحاقُ التاءِ له، كما هو معروفٌ (¬١). {طَائِفَةٌ مِّنْكُمْ آمَنُوا} رُدَّ الضميرُ في قولِه: {آمَنُوا} ضميرَ جمعٍ على (الطائفة) نظرًا إلى المعنَى؛ لأن الطائفةَ اسمُ جمعٍ تدلُّ على أفرادٍ كثيرةٍ. وهذا معنَى قولِه: {طَائِفَةٌ مِّنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ} أي: آمنوا بما
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (١٣٥) من سورة الأنعام.
الصفحة 592
631