كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
أَرْسَلَنِي اللَّهُ به من إثباتِ التوحيدِ لله، وإيفاءِ المكيالِ والميزانِ، وعدمِ بخسِ الناسِ أشياءَهم، وعدمِ الإفسادِ في الأرضِ بعدَ إصلاحِها، ونحوِ ذلك.
{وَطَائِفَةٌ} أخرى {لَّمْ يُؤْمِنُوا} بي بل كفروا، وصارت الطائفتانِ طائفتين مختلفتين كُلٌّ منهما تقولُ: إننا على الحقِّ والأخرى على الباطلِ {فَاصْبِرُوا} انتظروا قضاءَ اللهِ وحكمَه حتى يحكمَ بيننا وهو خيرُ مَنْ يَحْكُمُ. وفي هذا أعظمُ تهديدٍ، فالكفارُ يَرَوْنَ حكمَ الله سيأتِي بإهلاكِ الظالمِ الكافرِ وإنجاءِ المسلمِ، وقد حَكَمَ اللَّهُ بينهم هذا الحكمَ المنتظرَ في قولِه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا} ثم قال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)} [هود: الآيتان ٩٤، ٩٥] هذا حكمُ اللهِ جاء مُبَيَّنًا في سورةِ هودٍ، وستأتِي الإشارةُ إليه هنا في سورةِ الأعرافِ (¬١). وهذا معنَى قولِه: {فَاصْبِرُوا} [الأعراف: آية ٨٧] أي: انْتَظِرُوا وَتَرَبَّصُوا.
{حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا} حتى حَرْفُ غايةٍ، والفعلُ المضارعُ بعدَها منصوبٌ بـ (أن) مضمرةً، وهو في محلِّ جرِّ بمعنَى {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} إلى أن يحكمَ اللَّهُ {بَيْنَنَا} إلى أن يأتيَ حكمُ اللَّهِ بَيْنَنَا. فالمقصودُ أن حكمَ اللهِ عاقبتُه لنا فيهلك الكافرُ وينجي المسلمُ كما لا يَخْفَى.
{وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف: آية ٨٧] جل وعلا. (خَيْرٌ) هنا صيغةُ تفضيلٍ؛ لأن مِنَ الناسِ مَنْ يحكم، في الدنيا حُكَّامٌ
---------------
(¬١) انظر: الأضواء (٢/ ٣٢٧).
الصفحة 593
631