كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

يحكمون، ربما حَكَمُوا بعدلٍ وتشريفٍ وَطُهْرٍ، إلا أن اللَّهَ خيرُ مَنْ يَحْكُمُ - جل وعلا - لأنه لَا يَخْفَى عليه الحقُّ مِنَ الباطلِ، ولا يفعلُ إلا ما هو في غايةِ الصوابِ والسدادِ والحكمةِ؛ ولذا قال: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨)} [الأعراف: آية ٨٨].
لَمَّا قال اللَّهُ (جل وعلا) عن شعيبٍ هذا الكلامَ العظيمَ الذي خَاطَبَ به قومَه أجابَ أشرافُ قومِه بهذا الجوابِ السخيفِ الخسيسِ: {قَالَ الْمَلأُ} الملأُ: أشرافُ الجماعةِ من الذكورِ (¬١)، قال بعضُ العلماءِ: سُمُّوا ملأً لأنهم يملؤون صدورَ المجالسِ بقاماتِهم الوافيةِ، وقال بعضُ العلماءِ: سُمُّوا ملأً لأنهم هم الذين يتمالؤون على العقدِ والحلِّ حيث إنهم أشرفُ رجالِ البلدِ.
قولُه: {الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} أي: تَكَبَّرُوا عن أن يكونوا أَتْبَاعًا لشعيبٍ ويُقرُّوا بقولِه. قالوا: لشعيبٍ رَادِّينَ عليه أخسَّ رَدٍّ وأسخفَه: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} اللامُ موطئةٌ لقسمٍ محذوفٍ، والمعنَى: وَاللَّهِ لنخرجنك يا شعيبُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} قولُه: {وَالَّذِينَ} معطوفٌ على الضميرِ المنصوبِ. ومعلومٌ في علمِ العربيةِ أن الضمائرَ المنصوبةَ يجوزُ العطفُ عليها بلا قَيْدٍ ولا شَرْطٍ، والذي يذكرونَ فيه بعضَ الشروطِ هو العطفُ على الضمائرِ المرفوعةِ المتصلةِ، والضمائرِ المنخفضةِ، كما هو مُقَرَّرٌ في محله. وكان من
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٦٠) من هذه السورة.

الصفحة 594