كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
سفاهتِهم ووقاحتِهم أن نَادَوْهُ باسمِه مُجَرَّدًا {يَا شُعَيْبُ} كما يُنَادَى أحدُ الناسِ، وهو نَبِيٌّ كَرِيمٌ!! {لَنُخْرِجَنَّكَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} فـ (أو) هذه هي التي يسميها النظارُ: مانعةَ الخلوِّ. وكما أنهم أَقْسَمُوا أن لا يخلُو المقامُ من إحدى حَالَتَيْنِ: إما أن يُخْرِجُوا شعيبًا، وأما أن يعودَ هو وقومُه في ملتِهم، فلا بد من إحدى الاثنتين؛ فهي مانعةُ خلوٍّ. والمعنَى: أن إقسامَهم أن الحالَ لا يَخْلُو من أحدِ أمرين: إما إخراجُ شعيبٍ وَمَنْ آمَنَ به، أو يدخلَ في ملةِ الكفارِ. لا بد من أحدهما. وهذا معنَى قولِه: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ معروفٌ مشهورٌ؛ لأن ظاهرَ القرآنِ هنا أن شعيبًا قد دَخَلَ في ملتهم سابقًا يومًا؛ لأَنَّ قولَهم مخاطبونَ له: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وقول شعيبٍ مُجِيبًا لهم: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: آية ٨٩] يدلُّ بظاهرِه على أنه قد كان فيها سابقًا يومًا ما. وأكثرُ العلماءِ يقولونَ: إن الأنبياءَ (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم) معادنُ وَحْيٍ، ومحلُّ الخيرِ، واللهُ يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: آية ١٢٤] وفي القراءةِ الأخرى (¬١): {حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته} فلا يكفرونَ بالله لأَنَّ فِطْرَتَهُمْ التي وُلدوا عليها لا يُبَدِّلُهَا اللَّهُ بالكفرِ لمكانتهم عنده، فبعضُ العلماءِ يقولُ: لو فَرَضْنَا أنهم وقعَ منهم بعضُ الشركِ وأنابوا إلى اللَّهِ [فإنهم يصيرونَ إلى مثلِ حالهم] (¬٢) قَبْلَهُ وصارَ كأنه لم يَكُنْ.
---------------
(¬١) انظر: إتحاف فضلاء البشر (٢/ ٢٩)، حجة القراءات ص٢٧٠.
(¬٢) في هذا الموضع كلام غير واضح. وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.
الصفحة 595
631