كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)
عن شعيبٍ لم يَقُمْ دليلٌ عليه في الصراحةِ كإبراهيمَ. وأقوالُ أهلِ العلمِ قد ذَكَرْنَاهَا لكم الآنَ فيه. وهذا معنَى قولِه: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} الملةُ: الشريعةُ والدِّينُ.
قال بعضُ العلماءِ: أصلُها مشتقةٌ من الإملالِ، والإملالُ - بِلَامَيْنِ - هو الإملاءُ، وهو أن تُلْقِيَ على الكاتبِ الجملةَ ليكتبَها ثم تلقيَ عليه جملةً أخرى، قالوا: [وجه كون] (¬١) الشرائعِ كالإملاءِ: أنها تقعُ كذلك مفرقةً شيئًا بعدَ شيءٍ كما تقعُ جملةُ الكتابةِ إملاءً مفرقةً حتى تَتِمَّ. وعلى كُلِّ حالٍ فَالْمِلَّةُ: الشريعةُ والدينُ، وملتهم كافرةٌ، والعياذُ بالله.
قال لهم نَبِيُّ اللَّهِ شعيبٌ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: آية ٨٨] والتحقيقُ من القولين أن همزةَ الاستفهامِ هنا تتعلقُ بمحذوفٍ، والواوُ عاطفةٌ على ذلك المحذوفِ، هذا أظهرُ القولين اللَّذَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا مرارًا في هذه الدروسِ (¬٢)، وإليه يَلْمَحُ ابنُ مالكٍ في خلاصتِه بقولِه في بابِ العطفِ:
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ ... .............................. (¬٣)
كما هو معروفٌ في محلِّه، ويكونُ المعنَى: أتُكرهونا على العَوْدِ في ملتِكم وإن كُنَّا كارهين فَتُخْرِجُونَنَا من مقامِنا قَهْرًا ولو كنا كَارِهِينَ لذلك؟! هذا معنَى قولِه: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} الاستفهامُ هنا للإنكارِ، أنكرَ عليهم هذا القولَ السخيفَ [مع بيانِ كراهتِه له] (¬٤).
---------------
(¬١) في الأصل: «وهو» وما بين المعقوفين [] زيادة ينتظم بها الكلام.
(¬٢) انظر: البحر المحيط (٤/ ٣٤٣)، الدر المصون (٥/ ٣٨١).
(¬٣) مضى عند تفسير الآية (٧٥) من سورة البقرة.
(¬٤) في هذا الموضع كلام غير واضح، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.
الصفحة 598
631