كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

العزمِ، قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: آية ٤٥] كان يَظُنُّ أن ذلك الابنَ الكافرَ من الأهلِ الموعودِ بنجاتِهم، ولم يَعْلَمِ الحقيقةَ حتى قال له اللَّهُ: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِّنَ الْخَاسِرِينَ (٤٧)} [هود: الآيتان ٤٦، ٤٧].
وهذا نَبِيُّ اللَّهِ يعقوبُ قال الله فيه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: آية ٦٨] {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: آية ٨٤] ولا يَدْرِي عن ولدِه يوسفَ شيئًا حتى كان يقولُ: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: آية ٨٧].
وهذا سليمانُ سَخَّرَ له اللَّهُ الرياحَ والجنَّ، الريحُ غُدُوُّهَا شهرٌ وَرَوَاحُهَا شهرٌ، ما كان عندَه علمٌ عن مَأْرِبٍ - قريبًا من صنعاءَ باليمنِ - حتى جاءه الهدهدُ وتَمَدَّحَ عليه بما عَلِمَ من عِلْمِ جغرافيةِ وتاريخِ اليمنِ وسليمانُ يَجْهَلُهُ، وكان سليمانُ تَوَعَّدَ الهدهدَ في قولِه: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (٢١)} [النمل: آية ٢١] فلما جاء الهدهدُ معه بعضُ العلمِ عن تاريخِ مَأْرِبٍ - جماعةِ بلقيسَ من سبأٍ - بعضُ تاريخٍ وجغرافيةٍ عنهم، صَمَدَ أمامَ سليمانَ ولم يَرُعْهُ الوعيدُ الشديدُ من نَبِيٍّ مَلِكٍ، فنسب الإحاطةَ إلى نفسِه، وَنَفَاهَا عن سليمانَ، وقال له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} الآية [النمل: آية ٢٢] [١٤ /أ] / كما هو معروفٌ. وإنما أَشَرْنَا إلى هذا لِنُبَيِّنَ أن الْعَالِمَ الحقيقيَّ هو اللَّهُ: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} [النمل: آية ٦٥] فالملائكةُ والرسلُ

الصفحة 604