كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 3)

محذوف: هذا كتاب أُنزل إليك. خلافاً لمن زعم أن {المص (١)} اسم لهذه السورة، وأنه في محل مبتدأ، وأن {كِتَابٌ} خبره (¬١)، والمعنى: السورة المسماة {المص (١)} كتاب أُنزل إليك. والقرآن يطلق على كل سورة منه أنها كتاب وأنه كتب عديدة؛ لأنه مكتوب في صحف كثيرة، كما بينه تعالى في سورة البينة حيث قال: {رَسُولٌ مِّنَ الله يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)} [البينة: الآيتان ٢، ٣] فعبر عن القرآن بأنه كتب قيمة. ولكن الأظهر هو ما عليه الجمهور: أن قوله: {كِتَابٌ} خبر مبتدأ محذوف: هذا كتاب. والكتاب (فِعال) بمعنى: (مفعول) والمعنى: كلام الله مكتوب، فالكتاب بمعنى المكتوب. وإنما قيل له كتاب: لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال الله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (٢٢)} [البروج: الآيتان ٢١، ٢٢] ومكتوب في صحف بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (١٣) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)} [عبس: الآيتان ١٣ - ١٥] وكون الكتاب بمعنى المكتوب هو (فِعَال) بمعنى (مفعول).
والقرآن وإن كان مكتوباً في اللوح المحفوظ فنزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ليس أن جبريل ينظر في اللوح المحفوظ (¬٢)، بل الله (جل وعلا) يكلم جبريل بما يريد إنزاله من أنجم القرآن، فيسمعه جبريل من كلام الله على الوجه اللائق بكمال الله وجلاله. وإذا تكلم الله
---------------
(¬١) انظر: القرطبي (٧/ ١٦٠)، الدر المصون (٥/ ٢٤١).
(¬٢) للشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رسالة بعنوان: (الجواب الواضح المستقيم في التحقيق في كيفية إنزال القرآن الكريم) رد فيها على مَنْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيلَ (عليه السلام) أخَذَ القُرْآنَ من اللوح المحفوظ، وقد طُبعت مُسْتَقِلَّة، كما أنها ضمن المجموع في فتاواه (١/ ٢١٤).

الصفحة 9