كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وكذلك الصفات التي هي من صفات المعاني على التحقيق، والمؤولون من الكلاميين يزعمون أنها من صفات الأفعال، وهي صفات معنى لا شك فيها، كالرأفة، والرحمة، وما جرى مجرى ذلك. فإن الله وصف بها نفسه قال: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: آية ٤٧] ووصف بها بعض خلقه فقال في صفة نبينا (صلوات الله وسلامه عليه): {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: آية ١٢٨].
وصف نفسه بالحلم {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج: آية ٥٩] ووصف بعض خلقه بالحلم {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)} [الصافات: آية ١٠١] {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: آية ١١٤] ونحو ذلك من الآيات.
وكذلك صفات الأفعال وصف نفسه بها ووصف خلقه بها، وصف نفسه بأنه المعلّم قال: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)} [الرحمن: الآيتان ١، ٢] ووصف مخلوقه بأنه يعلّم، وجمع الوصفين في قوله: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: آية ٤].
ووصف نفسه بأنه المُنبئ قال: {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: آية ٣].
ولو تَتَبَّعْنَا هَذَا لأَطَلْنَا فيه الكلام، فحَاصِل هذا أن جميع الصفات التي يذكرها علم الكلام جاء بالقرآن العظيم وصف الخالق بها ووصف المخلوق، فيجب علينا أن نتمشى مع القرآن، ونسلك طريق الحق الواضح الذي لا تبعة فيه، ولا غرر فيه، ولا سخط من

الصفحة 25