كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

رب السماوات والأرض يستوجبه، فنضع كل شيء في موضعه، فنثبت للخالق صفته على وجه الكمال والجلال وغاية التنزيه عن مشابهة الخلق، ونثبت للمخلوق صفته على الوجه الملائم للمخلوق، المناسب للمخلوق، المتواضع المنحط المتسافل عن صفة الخالق (جل وعلا)، ونعلم أن كلاً حقٌّ في موضعه، وأنه لا مناسبة بين صفة الخالق والمخلوق حتى نشبهها بها، أما الذهاب بصفة الخالق إلى صفة المخلوق فهذا غلط لم يقله أحد من السلف الصالح، وهو غلط حدث من مقالات الكلام؛ لأنه لما دخل علم الكلام وصارت الناس تُحكم العقول، ولو كان كذا لكان كذا، وتُجري العقائد على الأقيسة المنطقية جاءت البلايا؛ لأن كلاً يظن صحة الربط بين هذا اللازم والملزوم فينتج منهما قضية، ويكون الربط بينهما منفكًّا فيأتي الآخر ويبين انفكاك الربط بينهما، وصارت مقالات وطوائف كل منهما تكذّب الأخرى، وتُقيم الدليل والبرهان العقلي في زعمها على أن الحق معها والغلط مع غيرها.
ونحن نقول: إن الفصل في كل شيء هو هذا المحكم المنزل، والنور الذي أنزله رب العالمين على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يوضح الحقائق، ويكشف ظلمات الجهل، ويبين الحقيقة ناصعة واضحة على وجهها الأكمل، وقد بين لنا الطريق المثلى، والمعتقد الصَّواب الذي لا شك فيه، وهو أنّا نُنَزِّه ربنا عن مشابهة صفات الخلق، ونؤمن بما وصف به نفسه، ونُصَدِّقه على أساس ذلك التَّنْزِيهِ، ونَقِف عند حَدِّنا، ونعرف قَدْرَنَا وقَدْرَ عقولنا ولا نَتَجَاوز حَدَّنَا. هذه طريق القرآن، وهي طريق مأمونة لا غائلة وراءها ولا عاقبة سيئة، وعلى هذا فقوله جل وعلا: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ

الصفحة 26