كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩)} [الأعراف: آية ٩٩] نقول: هذه صفة مَدَحَ اللهُ بها نَفْسَهُ، وهذا الذي أثْنَى بِهِ على نفسه فهو لا شك أنه في غاية اللياقة والكَمَالِ والجَلالِ، والسلامة من النقص والمباعدة عن مشابهة مكر المخلوقين وصفاتهم، فنثبته ونصدق الله بما وصف به نفسه منزهين ربنا غاية التنزيه، معترفين بالقصور والوقوف عند حدنا كما بين في قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية ١١] وقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} [طه: آية ١١٠] وقد بينا أن بعض مكر المخلوقين -ولله المثل الأعلى- قد يكون في غاية الاستحسان عند الناس، كما بَيَّنَّا أنه لو كان الرجل في غاية الشر وعِظَم الأذِيَّة على العامة، يقتلُ هذا، ويسبي هذا، ويأخذ مال هذا، ويظلم هذا، والناس عاجزون عنه، حتى جاءه رجل عظيم معروف بالفضل والمروءة والخير واحتال عليه بطرق خفية حتى قدر على قتله وأراح المسلمين منه، فكل الناس يقولون: إن كيدك هذا لفي غاية الكمال، وفي غاية الحسن، وفي غاية اللياقة والقبول عند عقول المخلوقين. هذا في كيد مخلوق، فما ظنك -ولله المثل الأعلى- بخالق السماوات والأرض جل وعلا.
يقول الله جل وعلا: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (١٠٠)} [الأعراف: آية ١٠٠].
قوله في هذه الآية الكريمة: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} قال جمهور علماء التفسير: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} معناه: أولم يُبيِّن للذين؟ فـ (هدى) تستعمل في معنى (بيّن) ومنها هذه كما رُوي عن غير واحد

الصفحة 27