كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

من علماء التفسير من الصحابة فَمَنْ بَعْدَهُمْ، فمن إطلاق (هَدَى) بمعنى (بيّن): قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: آية ١٧] أي: بيّنا لهم على لسان نبينا صالح، فهو هداية بيان لا هداية توفيق، بدليل قوله بعده: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} الآية. ومن إطلاق (هدى) بمعنى البيان والإرشاد: قوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: آية ٣] أي: بينّا له السبيل، وليست هداية توفيق، بدليل قوله بعده: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وهذا معنى قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} [الأعراف: آية ١٠٠] أَوَ لَم يُبَيِّن للذين {يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} اعلموا أولاً أن هذه الآية الكريمة من الآيات التي تشكل على كثير من المنتسبين للعلم، ويتبيَّن معناها ببيان إعرابها وإيضاح موضع الفاعل والمفعول منها، وفي ذلك ثلاثة أوجه معروفة لا يُكذب بعضها بعضًا (¬١):
الأول: أن الفاعل لقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} ضمير عائد إلى الله {أَوَلَمْ يَهْدِ} هو؛ أي: الله؛ أي: يبين هو، أي: الله {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} وعلى هذا فالمفعول في محل المصدر المنسبك من (أن) وصلتها في قوله: {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} والمعنى: ألم يبين لهم الله أنه لو شاء إِصَابَتَهُم بذنوبهم لأصابهم بها، وكون الفاعل هنا ضميرًا يعود إلى الله تدل عليه قراءة بعض السلف: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ} بالنون (¬٢)، فهي وإن كانت غير سبعية إلا أنها قرأ بها بعض السلف، وهي تفيد في التفسير. وعلى هذا المعنى أن الله بين لهؤلاء الأمم الذين أوْرَثَهُمُ الله في الأرض
---------------
(¬١) انظر: الدر المصون (٥/ ٣٩٣).
(¬٢) انظر: البحر المحيط (٤/ ٣٤٩، ٣٥٠)، الدر المصون (٥/ ٣٩٣).

الصفحة 28