كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بعد أن أهلك أهلها، بيّن لهم بإهلاك الظالمين المكذبين للرسل واستخلافهم بعدهم، بيّن لهم بهذا إصابته لهم بذنوبهم لو شاء أن يصيبهم بها كما أصاب مَنْ قَبْلَهم، وهذا وجه لا إشكال فيه.
الوجه الثاني: أن الفاعل في قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} ضمير عائد على ما كان يُذكر من قصص الأمم الماضية، والمعنى: ألم يبين قصص الأمم الماضية من إهلاك الله لها لما كذبت رسلها ألم يبين ذلك للذين يرثون الأرض أن الله قادر على إهلاكهم بذنوبهم كما أهلك من كان قبلهم لما كفروا وكذبوا رسله؟ وعلى هذين الوجهين فالمصدر المنسبك من (أن) المخففة من الثقيلة وصلتها في محل نصب على المفعول به.
الوجه الثالث: أن مفعول (يهد) محذوف، وفاعلها هو المصدر المنسبك من (أن) وصلتها، والمعنى: أولم يبين للذين يرثون الأرض إصابتُنا الأمم الماضية وإهلاكنا إياهم ألم يبين لهم ذلك أنَّا لو شئنا لأهلكناهم؟ أولم يبين لهم ذلك وخامة عاقبة أمر من عصى الله؟
وهذا هو حاصل معنى كلام العلماء في هذه الآية، يدور على أن الله (جل وعلا) أهلك الأمم الماضية التي كذبت الرسل كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وبيّن أن ذلك يدل على أن من أهلكهم بذنوبهم لو شاء لأهلك من جاء بعدهم بذنوبهم كما أهلك الأولين، كما قال تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ (١٧) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)} [المرسلات: الآيات ١٦ - ١٨] وهذا معنى قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} [الأعراف:

الصفحة 29