كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

آية ١٠٠] معنى: {يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} يخلفون أهلها الذين هلكوا ويسكنون أرضهم بعدهم؛ لأن هؤلاء الجيل يبيدهم الله فيموتوا فيسكن مواطنهم قوم آخرون، فذلك معنى إيراثهم الأرض بعدهم. فالإرث هنا معناه: انتقال شيء كان عند أحد إلى أحد آخر، ولو لم يكن على سبيل الإرث المعروف؛ لأن العرب تطلق في لغتها الإرث على مجرد الانتقال من ميت إلى حي كما هو معروف. وهذا معنى قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} [الأعراف: آية ١٠٠] أي: الذين كانوا يسكنونها ودمرهم الله.
{أَن لَّوْ نَشَاء} (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن كما هو معروف في محله، وخبرها جملة: {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} أنه أي: الأمر والشأن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم.
اعلموا أن المقرر في علوم العربية أن فعل المشيئة إن اقترن بأداة الشرط فإن مفعوله يُحذف لدلالة جزاء الشرط عليه، وتقدير المفعول المحذوف هنا: أن لو نشاء إصابتهم بذنوبهم أصبناهم بذنوبهم. فحذف المفعول لدلالة جزاء الشرط عليه، وربما أُظهر نادرًا كما قال تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ} [الأنبياء: آية ١٧] الأغلب أن يُقال: لو أردنا لاتخذنا لهوًا، ولكنه هنا ذكر مفعول الإرادة مع جزاء الشرط، وذلك يوجد في كلام العرب في بعض الحِكم، ومنه قول الشاعر (¬١):
---------------
(¬١) البيت لأبي يعقوب الخزيمي، مضى عند تفسير الآية (٣٥) من سورة الأنعام.

الصفحة 30