كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ ... عَلَيْكَ وَلَكِنْ سَاحَةُ الصَّبْرِ أَوْسَعُ

هذا معنى قوله: {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} [الأعراف: آية ١٠٠].
قرأ هذا الحرف جماهير القراء غير نافع، وابن كثير، وأبي عمرو: {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} بتحقيق الهمزتين. وقرأه نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: {أن لو نشاءُ وَصَبْنَاهُم} بإبدال الهمزة الثانية واوًا (¬١)، وهما قراءتان سَبْعِيَّتَانِ صَحِيحَتَانِ ولُغَتَانِ معْرُوفَتَانِ فصيحتان. وصيغة الجمع في قوله: {نَشَاء} وفي قوله: {أَصَبْنَاهُم} كِلتاهما للتعظيم. وقوله: {أَصَبْنَاهُم} أي: بالعذاب، أصبناهم بالعذاب والإهلاك بسبب ذنوبهم، والذنوب: جمع ذنب، والذنب معروف. أهلكناهم بسبب ذنوبهم ككفرهم ومعاصيهم، وهذا معنى قوله: {أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ}.
وأقرب الأقوال وأصحها في قوله: {وَنَطْبَعُ} أنها جملة مستأنفة على التحقيق، أي: ونحن نطبع على قلوبهم، والطبع هنا على القلب معناه الختم عليه والاستيثاق منه حتى لا يصل إليه خير ولا يخرج منه شر، فمعنى (طَبْعُ الله على القلوب) أنه -والعياذ بالله- يختم على قلب المجرم ويطبع عليه بحيث لا يخرج منه شر ولا يدخل إليه خير، كالقارورة إذا ختمتها وطبعت عليها لا يخرج شيء مما فيها، ولا يصل إليها شيء آخر.
وهذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن تُصَحِّحُ عَقِيدَةً مِنْ عَقَائِدِ السَّلَفِ المشهورة التي وقع فيها القيل والقال والخلط الكثير، وذلك
---------------
(¬١) انظر: إتحاف فضلاء البشر (٢/ ٥٥).

الصفحة 31