كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

لا يخفاكم -أيها الإخوان- أن هذه المسألة التي هي مسألة (الجبر والاختيار والكسب) أنها هي أصعب مسألة في دين الإسلام، وأعقد تخلصًا على العوام؛ لأن الناس انقسمت فيها إلى ثلاث طوائف: طائفة ضلّت في الإفراط، وطائفة ضلت في التفريط، وطائفة خرج من هضمها حقًّا صافيًا كاللبن يخرج من بين فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالصًا سائغًا للشاربين، وهو أفعال العبد؛ لأن أفعال العبد، وقدرة العبد، وإرادته، هي أصعب شبهة وقعت في دين الإسلام وأعسرها تخلصًا، ونحن في بعض المرات نهاب أن نثيرها لئلا يقع منها شيء في قلوب بعض الناس الذين لا يعرفون، فيعسر عليهم التخلص منه، وتارة نستعين بالله ونذكرها ونبينها ليرزق الله الهدى في ذلك وتستنير قلوب من وفقه الله.
اعلموا أولاً أن من يَتَسَمَّون باسم المسلمين، مِنْ طَوَائِفِهِم التي هي على الحَقِّ والبَاطِلِ انقسمت في كسب العبد إلى ثلاثة أقسام: فطائفة قالت: إن العبد يخلق أعمال نفسه بلا تأثير لقدرة الله فيها -والعياذ بالله- كالمعتزلة. وهذا المذهب ينصره محمود الزمخشري في تفسيره دائمًا، يزعم أن الله لا يريد الشر ولا يخلق الشر، وأن الله أنْزَه مِنْ أَنْ يُرِيد الشر، وأن الشر بمشيئة العبد وإرادته وقدرته من غير تأثير لقدرة الله فيه. وهذا -والعياذ بالله- مذهب باطل باطل، صاحبه يريد أن يسلب الله قدرته -سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا- وهذه الطائفة ضلت في التفريط؛ لأنهم فرطوا في قدرة الله حتى زعموا أنه تقع في ملكه أفعال العبيد من غير قدرته ولا مشيئته!! وهذا تفريط في صفات الخالق (جل وعلا)، فإنه (جل وعلا) لا يمكن أن يقع في خلقه تحريكة ولا تسكينة ولا طرفة عين

الصفحة 32