كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

إلا بمشيئته وإرادته (جل وعلا) وله الحكمة البالغة في كل ما يشاء. وهذا المذهب الذي يقول: إن العبد يخلُق أعمال نفسه بلا تأثير لقدرة الله فيها هو الذي ردّت عليه هذه الآية الكريمة الرد الواضح كما ترون؛ لأن الله إذا بيّن أنه هو الذي طبع على قلبه فمنعه من سماع الحق لحكمة كيف يقول الإنسان إن ذلك الشر لم يقع بمشيئته (جل وعلا) فهذه الآية وأمثالها تردّ ردًّا صريحًا على مذهب المعتزلة أقوى رد وأعظمه، فهم ينتحلون شُبهًا وتأويلات كل عاقل يعرف أنها باطلة.
المذهب الثاني: هو مذهب الجبرية، وهؤلاء ضلّوا بالإفراط حيث زعموا أن العبد لا تأثير له ولا فعل له، وأن هذا كله فعل الله، وأن الله لا يعذب العبد بذنب؛ لأن الله هو الذي شاءه وقدّره عليه، وهذا من أخطر الباطل كما ترون.
المذهب الثالث الذي هو الحق: مذهب المسلمين وسلف هذه الأمة وجماعتها: أن العبد خَلَقَ الله له قدرة وإرادة، وله مشيئة وفعل يختار ويفعل ويقدر، إلا أن قدرة الله وإرادته تصرفان قدرة العبد وإرادته إلى ما سبق به العلم الأزلي فيأتيه طائعًا مختارًا.
وهنا سنّة سنتكلم عليها لعل الله ينفع بها، فلنضرب مثلاً: مناظرة للجبريّ ومناظرة للقدري:
أما مناظرة الجبري فانقطاعه فيها قريب، وهي واضحة؛ لأن الجبري لو قال: أنا لا فعل لي، وهذا فعل الله، وأنا لا أوخذ بشيء من ذلك؛ لأن الله فعل هذا ولا ذنب لي. فإنك لو فقأت عينه، أو ضربته ضربًا مؤلمًا، أو قتلت ولده لا يجعل لك القدر حجة،

الصفحة 33