كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ولا يقول: هذا فعل الله وأنت بريء، لا وكلا، بل يسارع كل المسارعة في ضربك وقذفك والانتقام منك مصرحًا بأن هذا فعلك!! وانقطاعه قريب.
وأما المشكلة القوية فهي مشكلة المعتزلة الذين يزعمون أن العبد يخلق أعمال نفسه بلا تأثير لقدرة الله فيها. وسنبين لكم إن شاء الله الجواب عنها موضحًا من كتاب الله:
اعلموا أولاً أنّا لو فرضنا رجلاً يعتنق هذا المذهب ورجلاً من أهل السنة يتناظران، فقال معتنق هذا المذهب: إن كانت ذنوبي التي أؤاخذ عليها بمشيئة الله، ولست مستقلاً بمشيئتي، فمن أي وجه هو يشاء الذنب فيعذبني أنا عليه؟ وأنا غير مستقل المشيئة، إذ لو كنت مستقل المشيئة لما فعلت إلا ما يرضيه، وقد كتب على البعيد قبل وجوده أنه يرتكب هذا الكفر وهذا الذنب، ولا بد أن يرتكبه؛ لأن علم الله لا يتغير، وما سبق في علمه الأزلي لا بد أن يقع؛ لأن علمه لا يستحيل جهلاً. فيقول: إذا كان الله قدّر عليه - عياذًا بالله - أنه يكفره ويعصيه، ولا قدرة له على التخلص من قدر الله، فبأي ذنب يُؤخذ؟ وأي استقلال له في فعله حتى يؤخذ عليه؟! هذه حجته وأقصى شبهته.
فيقول له السُّنّي: جميع الأسباب التي أعطى الله للمهتدين الذين اهتدوا بسببها أعطاكها جميعها، إلا شيئًا واحدًا هو الذي حصل به الفرق، لا حجة لك فيه ألبتة على ربك، فإن هؤلاء الذين اهتدوا، وأطاعوا الله، ودخلوا الجنة، جميع أسباب الهدى التي اهتدوا بها كما أعطاهم الله أعطاك، فالعيون التي أصابوا بها آيات الله، واستدلوا بها على قدرته وعظمته، وأنه الرب المعبود وحده أعطاك عينين مثلها،

الصفحة 34