كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وكذلك القلوب التي عقلت عن الله، وأدركت وحي الله، وصارت سببًا للإيمان أعطاك مثلها، فجميع أنواع الأسباب التي أعطاها الله للمهتدين أعطاك مثلها. بقي هنالك شيء واحد هو الذي حصل به التفاوت لم يعطكه وهو تفضله بالتوفيق، فقد تفضّل على هؤلاء بالتوفيق، ولم يتفضل عليك بالتوفيق، فمن هنا حيث إنه تفضّل على هؤلاء ولم يتفضل عليك من هنا حصل الفرق بينكما، وتفضله ليس واجبًا لك عليه حتى تحتج به عليه. ويوضحه بعض المناظرات، فإن المناظرة المشهورة التي دارت بين أبي إسحاق الإسفراييني وعبد الجبار من كبار المعتزلة توضح هذا المعنى، وقد بينّاها في هذه الدروس مرارًا (¬١)، وذلك أن المعتزلي الكبير المشهور عبد الجبار جاء يتقرب بهذا المذهب الباطل، وناظره أبو إسحاق الإسفراييي وقطعه في جمع بهذه الحجة التي أصلها القرآن كما سنبينه، فجاء عبد الجبار وقال: سبحان من تنزّه عن الفحشاء! يعني أنه تَنَزَّهَ عن أن تكون السرقة والزنا بمشيئته، فيزعم أن الله أنْزَهُ وأجَلّ وأعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُون السرقة والزنا والضلالة بمشيئته؟ وقال في هذا: سبحان من تنزّه عن الفحشاء.
[١٥/ب] فقال أبو إسحاق: كلمة حق أُريد بها باطل، ثم قال:/ سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء.
فقال عبد الجبار: أتراه يشاؤه ويعاقبني عليه؟
فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرًا عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٣٩) من سورة الأنعام.

الصفحة 35