كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

فقال عبد الجبار: أرأيت إن دعاني إلى الهدى، وقضى عليَّ بالردى، دعاني وسدّ الباب دوني، أتراه أحسن إليَّ أم أساء؟!
فقال أبو إسحاق: أرى أن هذا الذي منعك إن كان حقًّا واجبًا لك عليه فقد ظلمك وقد أساء، وإن كان ملكه المحض فإن أعطاك ففضل، وإن منعك فعدل، فبُهت عبد الجبار!! وقال الحاضرون: والله ما لهذا جواب (¬١).
وهذا الجواب الذي أجاب به أبو إسحاق هو مضمون قوله: {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} [الأنعام: آية ١٤٩] حجته البالغة على خلقه هي تفضله بالهدى، فمن شاء أن يتفضل عليه بالهدى فهو فضل منه، ومن لم يتفضل عليه فما ظلمه، وقد أنصفه من جميع النواحي، ومن أعطي فضله ففضل، ومن مُنِعَهُ فعدل كما ذكرنا.
ومما يوضح هذا ما يذكرون عن عمرو بن عبيد (¬٢) - وهو من كبار المعتزلة المشهورين المعروفين بالعبادة والنسك - أنه جاءه بدوي وقال له: يا شيخ ادعُ الله أن يردَّ عليّ دابتي، سرقوها. فقام عمرو بن عبيد يتقرب بهذا المذهب الباطل، وقال: اللهم إنها سُرقت ولم تُرد سرقتها؛ لأنك أكرم وأنزه وأجلّ من أن تريد هذه القذرة القبيحة. فالبدوي أعرابي جاهل، قال له: ناشدتك الله يا هذا إلا ما كففت عني من دُعائك الخبيث، إن كانت سُرقت ولم يُرد سرقتها، فقد يُريد ردّها ولا تُرد، فربٌّ يقع في ملكه ما لا يشاء لا ثقة لي به. فألقمه حجرًا!!
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٣٩) من سورة الأنعام.
(¬٢) السابق.

الصفحة 36