كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

دياركم لعل بني بكر أن تأتي بلدكم بعدكم وتأخذ نساءكم وصبيانكم وأموالكم ليس دونهم رجال، وكان بين قريش وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة حرب (¬١) سببها أن رجلاً من بني عامر بن لؤي وهو ابن لحفص - رجلٌ من بني عامر بن لؤي، أخو مكرز بن حفص (رضي الله عنه) الصحابي المشهور- كان قتله رجل من بني بكر بن كنانة، فأخذ مكرز بن حفص بثأره فقتل الكناني، فصارت بين قريش وبين كنانة قاتل ومقتول، وصارت بينهم حرب، فلما خافوا كنانة جاءهم إبليس اللعين علنًا متمثلاً لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم (رضي الله عنه)، وهو الذي ساخت به قوائم فرسه لما تبع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة، وهو سراقة بن مالك بن جعشم (رضي الله عنه) صار من أصحاب رسول الله - أسلم - وهو سيد بني مدلج من بني بكر بن كنانة، جاء الشيطان في صورته، وهم يعرفون سراقة، كأنه سراقة لا ينكرون منه شيئًا، وهو الشيطان متمثل في صورة ذلك الرجل، وقال لهم: أنا سراقة بن مالك بن جعشم، إني جار لكم من كنانة، لا يمكن أن يصلوا إليكم بسوء.
كما سيأتي تفاصيل هذا في هذه السورة الكريمة؛ لأنه قال: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} [الأنفال: الآية ٤٨] هو الشيطان لما تمثل لهم بصورة سراقة بن مالك (رضي الله عنه)، ولم يزل معهم يَقِيلُ معهم حيث قالوا، ويبيت معهم حيث باتوا، حتى تراءى الجمعان يوم بدر، ورأى الشيطَان الملائكة ينزلون من السماء -لنصر دين الله- لما رأى الملائكة خاف القبيح وقال لهم: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} نكص على
---------------
(¬١) المصدر السابق ص٦٤٨.

الصفحة 495