كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الحارث، ويا حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب.
فجاءوهم فقالوا: مَنْ أَنْتُم؟ لأنهم لا يعرفونهم؛ لأن القوم مقنعون في الحديد، فانتسب كل واحد منهم. فقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن المطلب. وقال حمزة: أنا حمزة ابن عبد المطلب. فلما انتسبوا لهم قالوا: أكفاء كرام. فكانت المبارزة بين عبيدة وعتبة، وبين حمزة وشيبة، وبين الوليد وعلي، أما علي (رضي الله عنه) فلم يلبث أن قتل الوليد، وأما حمزة (رضي الله عنه) فلم يلبث أن قتل شيبة، وأما عبيدة وعتبة فاختلفا ضربتين فأثبت كل واحد منهما صاحبه، وكان عتبة قطع قدم عبيدة بنصف ساقه، فَذَفَّفَ عليه عليّ وحمزة فقتلا عتبة، وحملا صاحبهما عبيدة حتى وضعاه عند النبي صلى الله عليه وسلم ورجله تشخب دَمًا، سقطت قدمه بنصف ساقه، وعند ذلك قال: يا رسول الله لو كان أبو طالب حيًّا لعلم أنا أحق منه بقوله (¬١):
وَنَمْنَعُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا والحَلَائِلِ

وحملوه ومات بالصفراء، وهم قافلون من بدر.
فلما وقع هذا الْتَحَمَ القِتَالُ، واخْتَلط الحابل بالنابل، واشتدت مناجاته صلى الله عليه وسلم واستغاثته بربه، فأنزل الله الملائكة مددًا، فقال هنا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ} [الأنفال: آية ٩] وقد قدمنا في سورة آل عمران أن مددهم إلى خمسة آلاف كما تقدم في قوله: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (١٢٤) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ
---------------
(¬١) البيت في البداية والنهاية (٣/ ٢٧٤).

الصفحة 504