كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

تباشر القتال قالوا: لأن مَلَكًا واحدًا لو شاء أن يفني ما على وجه الأرض لما أتعبه ذلك، فإن جبريل لما صاح بثمود أهلكهم مرة واحدة، ولما رفع قرى قوم لوط أهلكهم مرة واحدة، لو أراد أن يمسحهم بريشة من جناحة لما ترك لهم أثرًا.
وقال بعض العلماء: لا مانع من قتال الملائكة، ولم يُنسب الأمر إلى الملائكة ليجعلهم عددًا ومددًا، فيكون الفتح والظفر والنصر كأنه على أيدي الصحابة؛ إذ لو كان المَلَك أهلكهم لما كان للصحابة في هذه الوقعة العظيمة مزية، فلما اختلطوا يعني صاروا يقتلونهم فأنزل الله المدد من السماء، وثبَّت قلوب المؤمنين، وألقى الرعب في قلوب الكافرين، كما سيأتي في قوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)} [الأنفال: الآية ١٢].
وقد نهى صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عن قتل بعض الناس (¬١)، نهى عن قتل العباس بن عبد المطلب عمه (رضي الله عنه). وقد بدرت من أبي حذيفة بن عتبة (رضي الله عنه) تلك البادرة التي ندم عليها، وصار في خوف دائمًا، حتى استشهد فيمن استشهد من الصحابة في اليمامة أيام قتال مسيلمة؛ لأن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة (رضي الله عنه) - أعني أبا حذيفة - لما نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل العباس قال: أنقتل أبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله إن لقيته لألجمنه السيف (¬٢). ولما قالها ندم وجزع منها وصار خائفًا منها دائمًا حتى
---------------
(¬١) السيرة لابن هشام ص٦٦٨، البداية والنهاية (٣/ ٢٨٤).
(¬٢) البيهقي في الدلائل (٣/ ١٤٠)، السيرة لابن هاشم ص٦٦٨، البداية والنهاية (٣/ ٢٨٤).

الصفحة 506