كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

استشهد، وكذلك لما جُرّ قتلى قريش إلى القليب، وكان أبوه عتبة يُجرّ إلى القليب، رُؤيت الكراهة في وجهه فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الكراهية التي ظهرت في وجهي ليست انتصارًا لكافر، ولكن عتبة هذا كنت أعهد فيه عقلاً وحزمًا وحلمًا، كنت أظن أن عقله وحِجَاه يمنعه من ميتة السوء هذه، وأنه يؤمن بالله!! فاعتذر بهذا (¬١).
وممن نهى عنه صلى الله علي وسلم ذلك اليوم: أبو البختري بن هشام الذي كان من أحسن الناس معاملة لرسول الله وبني هاشم، لم يؤذهم قط، وأيام حصار قريش لهم في الشِّعب كان معهم، وهو من النفر الذين سعوا في نقض الصحيفة التي كتبوا فيها مقاطعتهم، فلم يؤذهم قط، فلم يجدوا منه إلا الإحسان، فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتله، فالتقى به الْمجذَّر بن زياد البلوي (رضي الله عنه) حليف الأنصار، فقال له: يا أبا البختري: إن نبينا صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتلك فلا نتعرض لك. وكان مع أبي البختري زميل يُسمى جنادة بن مليحة، فقال له أبو البختري: والزميل؟ قال: لم ينهنا صلى الله عليه وسلم عن قتل الزميل. قال: أما أنا فلا يُقتل زميلي حتى أُقتل دونه، وذكر رجزه المشهور:
لا يُسْلِمُ ابنُ حُرةٍ زَميلَه ... حَتى يَمُوتَ أو يَرَى سَبيلَه ...
ولا يفارق جزعًا أكِيلَهُ (¬٢)

ولذا صار يقاتل المُجَذَّرَ دون ذلك الزميل فقتله المُجَذَّر (رضي الله عنه) وكان المُجَذَّر بن زياد البلوي (رضي الله عنه) يرتجز
---------------
(¬١) السيرة لابن هشام ٦٨٠، البداية والنهاية (٣/ ٢٩٤).
(¬٢) السيرة لابن هشام ص٦٦٩.

الصفحة 507