كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

في ذلك رواجز، ومن جملة ما يقول فيها (¬١):
أَنَا الذي أزعمُ أَصْلي من بَلِي ... أَضْرِبُ بالحَرْبَةِ حَتَّى تَنْثَني

ويروى عنه: «بالصَّعْدَةِ حتى تنثني» فجاء واعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قَتْلِهِ بأنه ما تعرض له حتى قاتله دون زميله (¬٢).
فمنح الله المسلمين أكتاف الكافرين، فقتلوا سبعين من خيارهم، وأسروا سبعين، وكان ممن قُتل في ذلك اليوم: أبو جهل بن هشام -لعنه الله- وقد صح عن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) أنه لما صف النبي صلى الله عليه وسلم الصفوف كان بجنب عبد الرحمن -وكان رجلاً له قامة- كان بجنبه رجلان صغيران في القدر، وهما: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن الحارث المشهور: بمعاذ بن عفراء، فكأن عبد الرحمن بن عوف استنقصهما وظن أن اللَّذَيْن بجانبيه ليسا رجالاً يمنعانه؛ لأن الرجل إذا كان في صف القتال بجنبه الرجال كانوا يمنعونه ويشدون أزره، فهو استنقص هذين واستحقرهما لصغر قدرهما، فإذا أحدهما يكلمه خفية من صاحبه ويقول: يا عم أرني أبا جهل. قال: ما حاجتك به؟! قال: سمعت عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. ولم يلبث إذ الآخر يُسائله سرًّا من صاحبه ويقول له مثل ما قال صاحبه. قال: فعلمت أن اللذَيْن بجنبي أنهما رجال، ورأيت أبا جهل يدور في قريش كالحَرَجَة -والحرجة: الشجرة الكبيرة في الغابة يحتف بها الشجر من جميع جوانبها-
---------------
(¬١) السابق، ولفظ البيت هناك:
أنا الذي يُقال أصْلِي مِنْ بَلِي ... أطْعَنُ بالصّعْدَةِ حتَّى تَنْثَنِي
(¬٢) السابق ص٦٦٩.

الصفحة 508