كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ولما جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم الأسارى مكث في عرصة بدر ثلاثة أيام، ثم في اليوم الثالث أمر بناقته فرُحِّلت، فتبعه أصحابه وقالوا: ما ذهب إلا لشأن!! فأمر بأربعة وعشرين من صناديد قريش، ثم ناداهم بأسمائهم: «يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ، إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟!» ولما قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): ماذا تخاطب من أجساد لا أرواح لها؟ قال له: «مَا أنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لِمَا أَقُولُ، وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُجِيبُوا» (¬١). أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ولما اجتمعت عنده الأُسارى، وهزم الله الكافرين، وقتل سبعين من خيارهم، وأُسر من أشرافهم سبعون، استشار أصحابه فيما يفعل بالأُسارى؟ مع أن سعد بن معاذ (رضي الله عنه) كان متوشحًا بسيفه على عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي في وجهه الكراهة، فقال: «ما بالُك؟» قال: رأيت شيئًا أكرهه، رأيت الناس يأسرون الرجال، وهذا أول مشهد في الإسلام، وكان الإثخان في القتل أحب إليَّ مِنْ أسر الرجال واستبقائهم (¬٢). فلما استشارهم اختلفوا له، فكان أبو بكر (رضي الله عنه) يقول: هم بنو عمك فاستبق منهم؛ لعل الله أن يهديهم أو يهدي من أصلابهم، وتستعينوا بفدائهم على أمر الحرب. وكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: اقتلهم جميعًا، أعط العباس لعلي فليقتله،
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٧٩) من سورة الأعراف، وانظر السيرة لابن هشام ص ٦٧٨.
(¬٢) السيرة لابن هشام ص٦٦٧، البداية والنهاية (٣/ ٢٨٤).

الصفحة 511