كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقوله: {أَنَّهَا لَكُمْ} بدل من (إحدى) أي: وعدكم الله إحدى الطائفتين أن الله جعلها لكم، إما أن يكون لكم العِير فتغتنموها، أو يكون لكم النفير فتهزموه وتنتصروا عليه. هذا معنى قوله {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: الآية ٧].
ولما بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بنصر الله، وأنه وعده إحدى الطائفتين، كان أصحاب رسول الله يتمنَّوْنَ أن تكون الطائفة التي هي لهم عير أبي سفيان؛ لأنه مالٌ كَثِيرٌ ليس دونه قتال، وهذا معنى قوله: {وَتَوَدُّونَ} خطاب للنبي وأصحابه {وَتَوَدُّونَ} والذي ودّها في الحقيقة إنما هو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والودادة معناه: التمني {وَتَوَدُّونَ}: تتمنون وتحبون أن تكون الطائفة التي سيحقق الله لكم إنجاز الوعد بها أن تكون الطائفة التي هي {غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ}، يعني: العِير، أصل الشوكة: واحدة الشوك؛ لأن رأسها فيه حِدَّة، والعرب تطلقها على كل سلاح حديد تسميه (شوكة)، فتقول للرجل الحديدِ السلاح: «فلان شائك السلاح، وشاكي السلاح». على القلب؛ لأن قولهم: «فلان شاكي السلاح». أصله: شائك السلاح. قلبوه وأخَّروا الهمزة فابدلوها ياءً، همزة مبدلة من الواو، وهو معنى معروف في كلامهم، ومنه قوله (¬١):
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلَاحِ مُقَذَّفٍ ... له لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لم تُقَلَّمِ

تتمنون أن الطائفة الضعيفة التي لا حِدَّة عندها ولا سلاح -وهي العير- أنها هي التي يتحقق لكم فيها الوعد، وأن لا تجتمعوا بالنَّفِيرِ؛ لأنه جيش له شوكة وسلاح وَحِدَّة. وهذا معنى قوله:
---------------
(¬١) البيت لزهير بن أبي سُلمى، وهو في ديوانه ص٨٤.

الصفحة 524