كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: الآية ٧] كأن الله يقول: الله يريد هنا غير ما تريدون، ويحب لكم غير ما تحبون لأنفسكم؛ لأن الله يعلم وأنتم لا تعلمون، كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)} [البقرة: الآية ٢١٦] ويريد الله (جل وعلا) أن يجعل الطائفة الموعود بها -التي سينجز فيها وعده، ويحقق بها نصر نبيه- يريد أن يجعلها الطائفة ذات الشوكة، وهي: النفير، الجيش في عَدَدِه وَعُددِه؛ لأن الله يريد، {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} الحق هو في نفسه حق، الحق حق مهما كان، ومعنى {أَن يُحِقَّ الحَقَّ} أي: يظهره على الدين كله، ويجعله عاليًا غير سافل، ويجعل الكلمة والسلطة والقوة له. هذا معنى إحقاق الحق، أي: إِظهاره وإِعلاؤه، أما الحق فهو حق في نفسه مهما كان، هذا معنى قوله: {وَيُرِيدُ اللَّهُ} أن يحقق لكم الوعد في الطائفة ذات الشوكة؛ لأن الله يريد بذلك {أَن يُحِقَّ الحَقَّ} أي: يظهر دين الإسلام ويعليه، ويعلي كلمته، ويضعف الكفرة ويهزمهم، ويهزم دينهم. وهذا معنى قوله: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} معنى إحقاقه الحق بكلماته فيه أوجه متقاربة من التفسير لا يكذب بعضها بعضًا (¬١).
قال بعض العلماء: المراد بكلماته التي يريد أن يحق بها حقه هي: كلمته التي أمر نبيه بها صلى الله عليه وسلم أن ينهض وأن يقاتل النفير إذا لم يكن إلا هو، فَأَمْرُهُ (جل وعلا) بقتالهم وإلزامهم ذلك بعد أن نجت العير وصار النفير، أمره بهذا القتال هي كلمته التي أراد أن يحق الحق بها،
---------------
(¬١) انظر: ابن جرير (١٣/ ٤٠٧).

الصفحة 525