كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الْكَافِرِينَ} أي: يهلكهم ويستأصلهم إما بالموت، وإما بانقضاء دينهم وقهره حتى لا يبقى كافر، وكانت وقعة بدر هي أول عز الإسلام وظهوره، وهي أول وقعة ذل فيها الكفر وأهله؛ ولذا قال: {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)} [الأنفال: الآية ٨] واختلف العلماء في متعلق اللام في قوله: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ} اختلفوا في متعلقها (¬١)، قال بعض العلماء: تتعلق بما قبلها؛ ولذا قال تعالى: {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} قطع دابر الكافرين لأجل أن يحق الحق، بأن يظهر الحق بإضعاف الكافرين وقطع دابرهم، وذهب جماعة من العلماء إلى أن متعلق اللام محذوف، قالوا: ويقدر مؤخرًا ليدل على الحصر، قالوا: وإيضاح تقديره: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} فعل ذلك الذي فعل بالكفار، أي: ما فعل بهم ذلك إِلا لأجل أن يحق الحق ويبطل الباطل. والمراد بالحق هنا: دين الإِسلام. وأصل الحق في لغة العرب: الشيء الثابت الذي لا يزول ولا يضمحل، وكذلك دين الإسلام فهو ثابت، وأعماله ثابتة في الدنيا والآخرة، يجدها صاحبها ثابتة في الآخرة، جزاؤها عظيم، كما صرح الله بضرب المثل لذلك بالنخلة {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: الآية ٢٤] أما الباطل فهو زائل مضمحل لا ثبوت له، كما ضرب له المثل بالشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فلا ثبوت لها، بل هي تضمحل وتزول، وكل زائل مضمحل تسميه العرب باطلاً،
---------------
(¬١) انظر: الدر المصون (٥/ ٥٦٤).

الصفحة 528