كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{مردَفين} بفتح الدال بصغية اسم المفعول (¬١).
وقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} قال بعض العلماء (إذ) منصوب بـ (اذكر) مقدرًا، وقد ذكرنا أنه يكثر في القرآن نصب الظرف الذي هو (إذ) بلفظة (اذكر) كقوله: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ} [الأحقاف: الآية ٢١] {وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً} [الأعراف: الآية ٨٦] {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: الآية ٢٦] ونحو ذلك. قال بعض العلماء: (إذ) في قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} بدل من (إِذ) في قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ} [الأنفال: الآية ٧] و {تَسْتَغِيثُونَ} معناه: تطلبون الإغاثة من ربكم (جل وعلا). تقول العرب: استغاث يستغيث إذا طلب الغوث. وهذه الاستغاثة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وعليه جمهور العلماء. خلافًا لمن قال: كانت من جميع الأفراد الذين شهدوا بدرًا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بُني له العريش يوم بدر وجلس فيه ورأى جيش قريش متصوبين من العقنقل -كثيب بدر- فإذا عددهم كبير، وهم حول ألف مقاتل، فنظر إلى أصحابه فإذا هم قليل -ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً- قام في ذلك الوقت وتوجه إلى القبلة وهتف بربه (جل وعلا) واستغاث بخالقه يسأله ويدعوه، وأَلَحَّ في المسألة أشد إلحاح، ورداؤه على منكبيه يناشد ربه؛ ربي أنجز ما وعدتني، اللهم عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه الطائفة لن تُعبد في الأرض. ويناجي ربه ويهتف به، ويلح عليه في المسألة، ويستغيث به (جل وعلا) حتى سقط رداؤه عن منكبيه (صلوات الله وسلامه عليه)،
---------------
(¬١) انظر: المبسوط لابن مهران ص٢٢٠.
انظر: الدر المصون (٥/ ٥٦٥).

الصفحة 530