كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

فجاءه أبو بكر من خلفه وجعل رداءه على منكبيه وقال: «يَكْفِيكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ رَبَّكَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ» (¬١). هذا معنى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: الآية ٩].
وهذه الآية وأمثالها في القرآن تُؤخذ منها أسرار ينبغي لنا معاشر المسلمين أن نسير عليها، هذا سيد الخلق محمد (صلوات الله وسلامه عليه) لما جاءه أعظم كرب يكون كربًا للأنبياء؛ لأن الكروب إنما تعظم على الأنبياء من جهة ضياع الدين؛ لأن الدنيا لا أهمية لهم فيها، وهذه الطائفة جزم صلى الله عليه وسلم أنها لو هلكت وقُتلت لانكسرت شوكة الإسلام، ولضاع الإسلام، ولم يُعبد الله في أرضه، وانتشر الكفر، وظهرت قوته، وطائفة الإسلام قليلة ضعيفة ليست بذات عددٍ ولا عُدد، وطائفة الكفر كثيرة قوية؛ هذا أعظم كرب دهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دهمته هذه الكروب جعل التجاءه الصادق إلى خالق السماوات والأرض. ومن ذلك يُعلم أن من دهمته الكروب وجاءته البلايا والزلازل أنه في ذلك الوقت إنما يكون الْتِجاؤه كما كان الْتِجَاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالق السماوات والأرض (جل وعلا)، فعلى كل مسلم أن يفهم هذا ويعقله، ويفهم أن العبد إذا دهمته الكروب، وجاءته البلايا والمحن والزلازل، أن التجاءه في ذلك الوقت يجب انصرافه إلى ما صرف إليه النبي صلى الله عليه وسلم التجاءه في ذلك الوقت، وهو الاستغاثة بخالق السماوات والأرض جل وعلا.
والله قد بين لنا معاشر المسلمين أن الإنسان إذا اضطر بأن دهمته الكروب، وأحدقت به النوائب والحوادث، أن الالتجاء في
---------------
(¬١) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، حديث رقم: (١٧٦٣) (٣/ ١٣٨٣).

الصفحة 531