كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

يلتجئون إليه في تلك الظروف الحرجة والأوقات الضنكة. وكان الكفار -لأَن عندهم عقلاً معيشيًّا دنيويًّا- إذا نزلت بهم البلايا ودهمتهم الكروب أخلصوا في ذلك الوقت الدعاء لله، وأعطوا الحق لمن له الحق، حتى إذا أنقذهم الله من ذلك رجعوا إلى كفرهم.
والآيات الدالة على هذا لا تكاد تحصيها في المصحف الكريم {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ} أي: وخافوا من الموت من هيجان تلك الأمواج {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: الآية ٣٢] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} أي: ودهمتهم الأمواج، وعاينوا الهلاك {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: الآية ٦٥] {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: الآيتان ٢٢، ٢٣] {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)} [الإسراء: الآية ٦٧ - ٦٩] والآيات بهذا المعنى لا تكاد تحصيها في المصحف، والمعروف في التاريخ أن سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل (رضي الله عنه) أن النبي (صلوات الله وسلامه عليه) لما فتح مكة -وكان عكرمة شديد العداوة له صلى الله عليه وسلم- هرب من مكة ذاهبًا إلى الحبشة، فركب في البحر الأحمر ذاهبًا إلى الحبشة، فلما لَجَّجُوا في البحر هاجت عليهم عواصف الريح، واضطربت عليهم الأمواج، فخافوا الهلاك وعاينوا الموت، فإذا كل

الصفحة 533