كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

من في السفينة يتناذرون ويقول بعضهم لبعض: لا تدعوا في هذا الوقت غير الله؛ لئلا تغرقونا؛ لأن هذه الكروب لا ينجي منها إلا الله (جل وعلا) وحده.
ففهمها عكرمة وقال: والله إن كان لا ينجي في ظلمات البحر إلا هو فلا ينجي من كربات البر إلا هو. ثم قال: اللهم لك علي عهد إن أنْجَيْتَنِي من هذه لأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رؤوفًا رحيمًا (¬١). وأمثال هذا في القرآن لا تحصى، فعلينا معاشر المسلمين أن نضع كل شيء في موضعه، ونمشي في نور القرآن العظيم، ونعلم أن الواحد منا إذا نزلت به البلايا ودهمته الكروب أن الالتجاء في ذلك الوقت من خصائص خالقه (جل وعلا)، فخصوص ذلك لخالقه (جل وعلا) مما يرضي الله، ويرضي رسوله، ويكفل له النجاح. وهذا سيد الخلق (صلوات الله وسلامه عليه) صرحت هذه الآية من سورة الأنفال أنه لما دهمه هذا الكرب العظيم صدق في ذلك الالتجاء، وصرفه إلى من له الحق في ذلك، وهو خالقه (جل وعلا). ومن حِكَم ذلك أن يعلم أمته الاقتداء به في ذلك، فعلينا معاشر المسلمين محبة لنبينا وتعظيمًا له ورغبة في اتباع ديننا أن نفعل كما كان يفعل نبيّنا صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: الآية ٣١] {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: الآية ٨٠] ونصرف الحقوق لمستحقها، ولا نصرف حق خالقنا إلى بشر، ولا إلى ملك مقرب، ولا إِلى مخلوق كائنًا من كان؛ لأن إعطاء حقوق الله لله مما يرضي الله ويرضي رسول الله، وهو الذي يتَّبع صاحبه المرسلين (صلوات الله وسلامه عليهم). وهذا معنى قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} الفاء سببية والإجابة
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٤٠) من سورة الأنعام.

الصفحة 534