كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

مسببة عن الاستغاثة بالله.
وهذا يدل على أنَّ مَنِ اسْتَغَاثَ بالله كانت استغاثته بالله سببًا للإجابة وإزالة المكروه عنه؛ ولأجل هذا الذي كنا نقرر لما أنزل الله مدد السماء من الملائكة علَّم أصحاب نبيه أن لا يعتمدوا عليهم فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} [الأنفال: الآية ١٠] لا تظنوا أن النصر من الملائكة وإن نزلت عليكم الآلاف المؤلفة منهم، الذي بيده النصر وبيده كل شيء ويُفْزَعُ إِلَيْهِ في كل شيء، ويُطلب منه كل شيء، هو خالق الملائكة وخالق الرسل (جل وعلا) صلوات الله وسلامه عليهم.
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم} استجاب لهم بأنه ممدهم. وقوله: {مُمِدُّكُم} أي: جاعلها لكم مددًا يمدكم الله ويعينكم بها. وقد أوضح وجه هذا الإمداد وبينه في هذه الآيات في قوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)} [الأنفال: الآية ١٢] وهذا معنى قوله: {أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ} العرب تقول: أَمَدَّنَا الإمام بكذا، معناه: جاءنا بزيادة من الجيش مددًا؛ أي: زائدة على الأول، فقوله: {بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: الآية ٩] قراءة الجمهور: {بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} قال بعض العلماء: كان الإمداد يوم بدر بألف واحدة بدليل آية الأنفال هذه.
وقوله: {مُرْدِفِينَ} معناه: متتابعين يتبع بعضهم بعضًا، ذكروا في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خفق في العريش خفقة -أصابته نعسة وغفوة خفيفة- فاستيقظ يتبسم وقال لأبي بكر: أبشر جاء نصر الله. فذكر له أنه رأى جبريل نازلاً وعلى ثناياه

الصفحة 535