كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

والأول أظهر، والسياق واحد. وهذا مبنيٌّ على قوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} فصرح تعالى أن ذلك ببدر والكلام متصل آخره بأوله {وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: الآية ١٢٣] إلى أن قال: {إِذْ تَقُولُ} في ذلك اليوم الذي نصركم الله فيه وأنتم أذلة {أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ} [آل عمران: الآية ١٢٤].
والحاصل أنه مختلف في المَدَدِ هَلْ هو ألف واحدة أو إلى خمسة آلاف؟ وأظهر القولين: أن المدد المذكور في آل عمران هو المذكور في الأنفال هذه، وأنه خمسة آلاف، ومما يؤيده: أنه لم يعلم أن الملائكة نزلت للقتال ظاهرًا إلا يوم بدر، وغير ذلك تنزل جنودًا لم يرها الناس كما جاء في حنين وغيرها والأحزاب؛ لأن الله بين أن الملائكة نزلت في الأحزاب وفي حنين حيث قال في الأحزاب: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: الآية ٩] وقال في قصة حنين: {ثُمَّ أَنَزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: الآية ٢٦] ولم يقل أحد من العلماء: إن جنود الملائكة التي نزلت في غزوة الأحزاب وفي غزوة حنين أنهم قاتلوا، وإنما اختلفوا في ذلك في [بدر] (¬١)، فذهب جماعة من أهل العلم وجاءت به آثار: أن الملائكة قاتلوا. وظاهر سياق آية الأنفال هذه تدل على أن الملائكة هم الذين أُمروا بالضرب فوق الأعناق وضرب البنان؛ لأنه قال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ} فهذا السياق للملائكة {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: الآية ١٢] فهذا السياق ظاهر في الملائكة،
---------------
(¬١) في الأصل: «أُحد» وهو سبق لسان.

الصفحة 538