كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقد ذكرنا روايات عن بعض الصحابة أن بعضهم قال: بينما أنا أتبع رجلاً إذ سقط ميتًا أمامي، وسمعت ضربة سوط فوجدت وجهه مشقوقًا مخطومًا واخْضَرَّ محل الضربة كله (¬١). وأن رجلاً قال: أردت أن أقتل رجلاً فَسَقَطَ رَأْسُهُ قبل أن أضربه (¬٢). وأنهم أَعْلَموا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال: «ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ».
والذين قالوا: إن الملائكة لم تقاتل يوم بدر لا حجة قوية معهم؛ لأنهم إنما استدلوا على ذلك بأن ملكًا واحدًا يقدر على إبادة جميع الناس، وأن جبريل رفع مدائن قوم لوط على ريشة من جناحه، ولا مانع من أن الله يجعل الملائكة مددًا وعونًا يَقْتُلُون معهم ليكون شرف الهزيمة لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الملك لو أهلكهم ما كان للصحابة في ذلك من فضل ولا من شرف، ولكن الله أعانهم ليكون النصر بأيديهم، وإهانة الكفار بأيديهم، كما قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (١٤)} الآية [التوبة: الآية ١٤]، وهذا معنى قوله: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرَى} [الأنفال: الآيتان ٩، ١٠] هذه الآية مما استدل بها من قال: إن الملائكة لم تقاتل؛ لأن الضمير في قوله: {وَمَا جَعَلَهُ} راجع إلى الإمداد بالملائكة الذين يتبع بعضهم بعضًا {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ} أي: إمدادكم بالملائكة يقاتلون معكم {إِلَاّ بُشْرَى} أي: إلا بشارة لكم بالنصر، قالوا: فالله (جل وعلا) قصره على البشرى، ولم يقل: إن فيه قتالاً. وبعضهم يقول: لما قيل لهم: إنهم معكم، يقاتلون
---------------
(¬١) تقدم تخريجه في بداية تفسير الآية.
(¬٢) تقدم تخريجه في بداية تفسير الآية.

الصفحة 539