كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

العرب، ونزل بها القرآن. وهذا معنى قوله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ} [آل عمران: الآية ١٢٦] أي: فعل الله ذلك لكم لأجل أن يبشركم؛ ولأجل أن تطمئن قلوبكم به. الطمأنينة معناها: السكون وعدم القلق والانزعاج. ومحل الطمأنينة والانزعاج: القلب؛ لأنه محل الإدراك؛ ولذا قال: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ} لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عددهم قليلاً، فلما نزل المدد من السماء وثقوا من النصر، وسكنت قلوبهم، واطمأنت، وزال عنها الخوف والقلق والانزعاج، وهذا معنى قوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ} ثم إن الله بيّن أن الخير كله من قِبَله فكأنه يقول للمسلمين: لا تظنوا -وإن أنزلت عليكم ألفًا من ملائكة السماء- أن النصر بيد الملائكة! لا، النصر بيدي وحدي؛ ولذا قال: {وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} [الأنفال: الآية ١٠] هذا حصر بالنفي والإثبات، وهو أبلغ غايات الحصر. معناها: لا نصر يوجد ألبتة كائنًا من كان إِلا من عند الله (جل وعلا). وأصل النصر في لغة العرب: إعانة المظلوم {إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ} جل وعلا {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} العزيز في لغة العرب: هو الغالب. والعزة في لغة العرب: الغلبة {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: الآية ٨] أي: ولله الغلبة ولرسوله {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: الآية ٢٣] غلبني في الخصام. والعرب تقول: (مَنْ عَزَّ بَزَّ) (¬١) يعنون: من غلب استلب. وقد قالت الخنساء في شعرها (¬٢):
كَأَنْ لم يكونُوا حِمىً يُخْتَشَى ... إذِ النَّاسُ إذْ ذاكَ مَنْ عزَّ بَزّا

تعني: مَنْ غَلَبَ اسْتَلَبَ.
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٩٦) من سورة الأنعام.
(¬٢) السابق.

الصفحة 541