كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} أي: غالب لا يغلبه شيء؛ ولذا قهر جند أبي جهل ورؤساء الكفر وقمعهم وقتلهم بعزته حيث كانت العزة له، وأعز عباده المؤمنين، كما قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: الآية ٨].
وقوله: {حَكِيمٌ} الحكيم في الاصطلاح: هو مَنْ يَضَعُ الأمُورَ في مواضعها ويوقعها في مواقعها، ولا تتم الحكمة إلا بتمام العلم، فكل نقص في الحكمة إنما يتسبب عن نقص في العلم، فترى الرجل القُلَّب البصير الحاذق يفعل الأمر يظنه في غاية السداد ثم ينكشف الغيب عن أن فيه هلاكه ومضرة عظيمة عليه، فيندم وقد فات الأوان، ويقول: ليتني لم أفعل، لو فعلت لكان كذا!!
لَيْتَ شِعْري وَأَيْنَ مِنِّي لَيْت ... إِنَّ ليتًا وإنَّ لوًّا عَنَاءُ (¬١)

لأن: (ليتني فعلت)، و (لو فعلت كذا لكان أصوب!!) كل هذا في اختلال الحكمة من عدم العلم بعواقب الأمور.
أُلامُ عَلَى لوٍّ ولَوْ كُنْتُ عَالمًا ... بِأَذْنَابِ لَوٍّ لم تَفُتْنِي أَوَائِلُه (¬٢)

الله (جل وعلا) وحده هو الذي لا يجري عليه: (لو فعلت كذا لكان أصوب)، أو: (ليتني لم أفعل)؛ لأنه عالم بعواقب الأمور وما تؤول إليه، فلا يضع أمرًا إلا في موضعه، ولا يوقعه إلا في موقعه؛ لإحاطة علمه (جل وعلا) بالخبايا والخفايا، وبما يكون وبما ينكشف عنه الغيب؛ ولذا قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: الآية ١٠].
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (١٢٨) من سورة الأنعام.
(¬٢) مضى عند تفسير الآية (٨٣) من سورة الأنعام.

الصفحة 542