كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وأجرى الله العادة أن النعاس لا يكون للخائف -أن الخائف يطير منه النعاس ويطير منه النوم فلا ينعس ولا ينام- وأن الذي يصيبه النعاس فينام هو الآمن؛ ولذا كانوا يقولون: (الأمن مُنيم، والخوف مُسهر)؛ لأن صاحب الأمن ينعس فينام، فترى الآمن ناعسًا ونائمًا، والخائف قلقًا لا يأتيه النعاس ولا النوم. وأجرى الله العادة أنه إذا أراد نصر حزبه ألقى عليهم النعاس؛ لأن النعاس لا يغشاهم إلا وقد زال من صدورهم الخوف وقلق الجزع والحزن، وهذا تأمين منه لهم، وتثبيت لهم، كما تقدم في قوله: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ} [آل عمران: الآية ١٥٤] وقد قدمنا في تفسيرها في آل عمران عن أبي طلحة أنه ذكر أنه سقط منه سيفه ثلاث مرات وهو قائم في الصّف من شدة النعاس (¬١)، وأنهم يميدون تحت السلاح لشدة نعاسهم. وقد ذكر هنا أنه غشاهم النعاس في وقعة بدر.
وقوله: {أَمَنَةً مِّنْهُ} [الأنفال: الآية ١١] مفعول من أجله. إذ يغشيكم (جل وعلا) النعاس لأجل الأَمَنَة منه. والأَمَنَة: مصدر أمِن يأمن أَمَنَةً وأمنًا وأمانًا. والأَمَنَة والأمان ضد الخوف؛ أي: لأجل أن تكونوا آمنين ليس في قلوبكم خوف ولا جزع ولا قلق، وهذا من تثبيت الله لعباده المؤمنين.
وقد اختلف العلماء في وقت هذا النعاس الذي صرّح الله أنه غشَّاه أهل بدر، فقال بعض العلماء: كان هذا النعاس غشاهم الله إياه
---------------
(¬١) البخاري، كتاب المغازي، باب: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا} حديث رقم: (٤٠٦٨) (٧/ ٣٦٥)، وأخرجه في موضع آخر، حديث رقم: (٤٥٦٢).

الصفحة 544