كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

في الليلة التي في صبيحتها وقعة بدر، وكانت ليلة الجمعة، وهي السابعة عشرة من شهر رمضان، في عام اثنين من الهجرة. المفروض أنهم كانوا يكونون في خوف وقلق؛ لأنهم غدًا يتلاقون مع عدوهم، وهو جيش عرمرم قوي، فالعادة أن من هو إذا أصبح يلاقي جيشًا عرمرمًا، وينتظر الموت أنه يبيت والنعاس طائر عنه، والنوم طائر من عينيه لما يصيبه من خوف الموت والفزع والقلق، إلا أن الله خرق العادة لحزبه هنا، وغشاهم النعاس. قالوا: ففي تلك الليلة ناموا ملء عيونهم نومًا مستغرقًا كنوم الآمنين في غاية الأمن حتى احتلموا وأصبح كثير منهم جُنبًا من الاحتلام!! والغالب أن الرجل لا يحتلم إلا إذا كان نومه مستغرقًا، والنوم لا يكون ثقيلاً مستغرقًا إلا للآمن الذي لا يخالجه خوف؛ لأن الخائف والقلق ولو قدرنا أنه أصابته غفوة فعن قليل يستقظ فزِعًا مرعوبًا، فهم في تلك الليلة غشاهم الله النعاس فباتوا في أمن ونوم عميق نائمين، وأجنبوا تلك الليلة. قالوا: ومن حكمة ذلك أن النوم الثقيل العميق تستريح منه الأعضاء من التعب، فأصبحوا مستريحين قادرين على كفاح العدو، قال المفسرون: أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن نفير قريش سبقهم إلى الماء، وكانوا في العدوة الدنيا من بدر، وكان الوادي الذي هم فيه فيه رمال دهسة، يصعب المشي فيها؛ لأن الأقدام تسوخ فيها، وأجنبوا وعطشوا، فجاءهم إبليس برِجْزِه فوسوس لهم وسوسة عظيمة ثقلت على بعض الصحابة، وقال: تزعمون أنكم على الحق وأنتم في عطش، والقوم قد سبقوكم إلى الماء وغلبوكم عليه، فإذا أجهدكم العطش جاءوكم فقتلوا من شاءوا، وأسروا من شاءوا، وأنتم تُصلّون بالجنابة في عطش، وأرجلكم تسوخ في الرمل، والعدو بخلاف

الصفحة 545