كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ظلموا وارتكبوا المعاصي، بل يصيب الجميع، هؤلاء بمعصيتهم، وهؤلاء بسكوتهم على المعصية وعدم نهيهم عنها. هذا الذي عليه جمهور المفسرين.
{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً} [الأنفال: الآية ٢٥] قد قدمنا في هذه الدروس مرارًا أن الفتنة أُطلقت في القرآن إطلاقات متعددة (¬١):
أطلقت الفتنة بمعنى الابتلاء. وهذا أكثر إطلاقها، ومنه قوله: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: الآية ٣٥] أي: ابتلاء، {لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} [الجن: الآية ١٦] أي: لنختبرهم، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: الآية ١٥] أي: امتحان وابتلاء واختبار.
وأصل الفتنة في لغة العرب (¬٢): هي الوضع في النار، تقول العرب: فتنت الذهب: إذا وضعته في النار وأذبته فيها ليظهر أخالص هو أم زائف. ولذا كان أحد إطلاقات الفتنة: هي الإحراق بالنار، ومنه بهذا المعنى قوله: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)} [الذاريات: الآية ١٣] أي: يُجعلون فيها ويحرقون فيها، ومنه على أصح التفسيرين: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: الآية ١٠] أي: أحرقوهم بنار الأُخدود.
وتُطلق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة خاصة، ومن هنا أُطلقت الفتنة على الكفر وعلى المعاصي، كما قال:
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٥٣) من سورة الأنعام.
(¬٢) السابق.

الصفحة 559