كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

العرب (¬١)، كقوله: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: الآية ٣٨] ومعلوم أنه لا يطير إلا بجناحيه وقوله: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: الآية ٧٩] ومعلوم أنه لا يكتبونه إلا بأيديهم. {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} [النساء: الآية ١٠] وهم لا يأكلون إلا في بطونهم. وكذلك قوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا} قوله: {مِّنَ السَّمَاءِ} مع أنه لا مطر إلا من السماء.
وهذا معنى قوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قرأه بعضهم بتسهيل الهمزة الثانية، وبعضهم بتحقيقها، وبعضهم بإبدالها ياءً. وكلها قراءات معروفة (¬٢). وهذا معنى قوله: {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: الآية ٣٢] أي: مؤلم شديد الألم.
ثم إن الله قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} [الأنفال: الآية ٣٣] هذه الآية الكريمة تُشكل كثيرًا على العلماء وعلى من يتعاطون التفسير (¬٣)، ونحن -إن شاء الله- سنوضح ما فيها من الإشكال حتى يفهمها طالب العلم فهمًا واضحًا، حاصل هذا أنه أولاً جعل لهم أمانين من العذاب:
أحد الأمانين: وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وهو قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} لأن الله (جل وعلا) لم ينزل
---------------
(¬١) مضى عند تفسير الآية (٧٩) من سورة البقرة، والآية (٤٨) من سورة الأنعام، وانظر: الدر المصون (٥/ ٥٩٧).
(¬٢) مضت عند تفسير الآية (٧٧) من سورة الأعراف.
(¬٣) انظر: ابن جرير (١٣/ ٥٠٩)، ابن كثير (٢/ ٣٠٥).

الصفحة 584