كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الْمُؤْمِنِينَ (٥١)} [الشعراء: آية ٥١] فالمؤمن الحق إذا علم ما عند الله من النعيم والثواب هان وصغر في عينه كل عذاب وبلاء في الدنيا، كما قالوا لفرعون: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: آية ٧٢] أي: وليس فيها شيء يهم [لسرعة زوالها] (¬١) وانقضائها. فهذا معنى قوله: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الأعراف: آية ١٢٥].
هذا الانقلاب ينقلب به كل أحد كائنًا ما كان، فينبغي لكل إنسان أن يُحسِّن منقلبه إلى الله؛ لأن الله يقول: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: آية ٢٢٧] فمعنى: {مُنقَلِبُونَ} أنهم يموتون فيبعثون فيُقلبون إلى الله، يرجعون إليه فيجازيهم، هذا معنى قوله: {قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (١٢٥)} [الأعراف: آية ١٢٥].
ثم بيّنوا لفرعون أنه ظالم لهم وليس لهم ذنب يعيبهم به ولا يعذبهم لأجله، وقالوا: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا} العرب تقول: (ما تنقم مني)؟ معناه: ما تعيب مني وما تَنْتَقِدُ مِنيِّ؟ وأقوال علماء التفسير متقاربة (¬٢)، كلها راجعة إلى شيء واحد، فبعضهم يقول: {وَمَا تَنقِمُ} ما تعيب منا؟ ما تُنكر منا؟ ما تكره منا؟ ونحو ذلك، فهي أقوال معروفة، والعرب تقول: نقم عليّ فلان كذا ونَقِمَهُ. أي: انتقده وأنكره عليَّ وكرهه مني. فكأنهم يقولون لفرعون: ما تعيب وتكرهه منا وتنكره حتى تجعله سببًا لتعذيبنا إلا أعظم الأشياء وأحسنها وأشدها استجلابًا للمودة والمحبة، فهو الإيمان بالله أي: {إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا} يعني: ما تعيب علينا شيئًا ولا تكره منّا شيئًا فعلناه
---------------
(¬١) في الأصل: «لزوال سرعتها». وهو سبق لسان.
(¬٢) انظر: ابن جرير (١٣/ ٣٥)، القرطبي (٧/ ٢٦١).

الصفحة 93