كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
{إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا} [الأعراف: ١٢٦] واضحة لا لبس فيها. وهذا معنى قوله: {إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا}.
ولما بينوا لفرعون أنهم ما فعلوا شيئًا يستوجبون عليه تعذيبًا سألوا الله أن يرزقهم الصبر على العذاب الدنيوي، وأن يميتهم وهم على إسلامهم، سألوه سؤالين عظيمين:
أحدهما: أن يعطيهم الصبر ويعينهم عليه.
والثاني: أنه يثبتهم على إيمانهم وإسلامهم حتى يموتوا ويلقوه مسلمين؛ ولذا قال الله عنهم: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} الإفراغ في لغة العرب التي نزل بها القرآن: الصبُّ الشديد الذي يترك الإناء فارغًا لا شيء فيه {أَفْرِغْ عَلَيْنَا} معناه: اصبب علينا صبرًا من عندك. ونكَّر الصبر هنا للإشعار بالتعظيم؛ أي: صبرًا عظيمًا جميلاً، عظيمًا نواجه به تعذيب هذا الجبار {وَتَوَفَّنَا} أمِتْنا، {مُسْلِمِينَ} أي: ونحن على إسلامنا لا تزغ قلوبنا ولا تُشقنا {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.
وهذه الآية الكريمة نظائرها كثيرة في القرآن وفي كلام العرب، وأسلوبها الذي جاء بها هو الذي يقول له البلاغيون: (تأكيد المدح بما يشبه الذم) (¬١) ونظيرها في القرآن قوله: {وَمَا نَقَمُواْ إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: آية ٧٤] {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَاّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)} [البروج: آية ٨] وهو كثير في كلام العرب، ومنه قول الشاعر (¬٢):
---------------
(¬١) انظر: الملخص للقزويني ص٣٨٢.
(¬٢) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات. وهو في اللسان (مادة: نقم) (٣/ ٧١٠)، البحر المحيط (٥/ ٧٣)، الدر المصون (٦/ ٨٧).