كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 5)
وتمردوا عليه أهلكهم، كما نطقت به الآيات القرآنية بكثرة، وهذا معنى قوله: {وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ}.
وقال بعض العلماء: المراد بالعَوْد هنا: الاستمرار، أي: وإن يستمروا على ما هم عليه من الكفر فقد مضت سنة الأولين. وربما أطلقت العرب ابتداء الفعل على دوامه، مثل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: الآية ١]، أي: اسْتَمِرّ ودُم على تقواه. هذان الوجهان في قوله: {وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال: الآية ٣٨].
وأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: الآية ٣٩] (لا تكون) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد (حتى)، و (لا) النافية لا تمنع من ذلك النصب {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قال أكثر العلماء (¬١): المراد بالفتنة هنا: الشرك؛ أي: حتى لا يَبْقَى شِرْكٌ على وَجْهِ الأرض، ويدل لهذا المعنى قوله بعده -يليه-: {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} لأن الدين لا يكون كله لله إلا إذا لم يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ شِرْكٌ، فعندئذٍ يكون الدين كله لله. ويؤيد هذا المعنى وهذا التفسير الذي دلت عليه القرينة القرآنية قوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا منعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (¬٢) هذا هو الأظهر. وجاء في صحيح البخاري في تفسير هذه الآية عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) ما يدل على أن المراد بالفتنة: فتنة الرجل عن دينه، كالمستضعف الذي إذا آمن حَبَسُوه وأوثقوه، أو قتلوه حتى يترك
---------------
(¬١) انظر ابن جرير (١٣/ ٥٣٨).
(¬٢) مضى عند تفسير الآية (٥٣) من سورة الأنعام.
الصفحة 7
749