كتاب نقد الشعر
مكروه يلحقه، وكذلك الثعلب والعقاب سواء، لأن العقاب ترجو شبعها، والثعلب يخاف موته.
وقال الشماخ:
كأنَّ على أوراكِها من لُعابه ... وخيفةَ خطمىٍّ بماءِ مرجرجِ
فشبه لعاب الفحل إذا ظهر على أوراك الأتن عند كدمه إياها بالخطمى، وهو شبيه به في قوام الثخن وفي الرغوة وفي اللون أيضاً، وذلك أن الحمار إنما يكثر كدمه الأتن في الربيع عند خضمه الرطب وأشره في ذلك الوقت.
وقد أحسن الشماخ أيضاً في قوله حين شبه أضلاع الناقة وبرى السير إياها بالقسي الموترة:
وقربتُ مبراةً كأنَّ ضلوعَها ... من الماسخياتِ القسيِّ الموتَّرا
فقد أحسن الشماخ في هذا التشبيه من قبل اجتماع الأضلاع والقسي الموترة في الشكل والتوتر بالأعصاب والأوتار، ولم يرد إلا الشكل فقط، وقد أتى على ما فيه.
ولابن أحمر الباهلي يذكر قلب الفرس عند الحركة السريعة:
حتَّى صبحْنا طاوِياً ذا شرةٍ ... وفؤادُه زجلٌ كعزف الهدهدِ
فتواتر نبض قلب الفرس إذا تحرك قريب الشبه من تواتر حركة عزف الهدهد.
وللمرار:
لها قلاصُ نعامٍ يرتعين بها ... كأنهنَّ سبيٌّ لابسُو الهدمِ
فما أحسن ما شبه انسدال فواضل ريش النعام بانسدال الأطمار الرثة على اللابس لها، ولا سيما السبي، فإن في مشيهم أعجمية تشبه مشي النعام، وفي ألوان ثيابهم قتمة من الدرن تشبه قتمة ريش النعام، ففي الشيئين اشتراك في معان كثيرة.
وقد يقع في التشبيه تصرف إلى وجوه تستحسن، فمنها: أن تجمع تشبيهات كثيرة في بيت واحد وألفاظ يسيرة، كما قال امرؤ القيس:
له أيطَلا ظبيٍ وساقاً نعامةٍ ... وإرخاءُ سرحانِ وتقريبُ تتفلِ
فأتى بأربعة أشياء مشبهة بأربعة أشياء، وذلك أن مخرج قوله: له أيطلا ظبي، إنما هو على أن له أيطلين كأيطلي ظبي، وكذا ساقين كساقي نعامة، وإرخاء
الصفحة 38
93