كتاب نقد الشعر

كان ذلك جيداً لقوله: ذو الصلاح. وللعدول عن هذا العيب غير الرواة قول امرئ القيس:
فلوْ أنها نفسٌ تموتُ سويةً ... ولكنَّها نفسٌ تساقطُ أنفُسا
فابدلوا مكان: سوية: جميعة لأنها في مقابلة تساقط أنفساً أليق من سوية. ومن عيوب المعاني:

فساد التفسير.
فساد التفسير
ومن كان ذاكراً لما قدمناه في باب نعت هذا المعنى عرف الوجه في عيبه. مثال في ذلك: ما جاءني به بعض الشعراء في هذا الوقت، وأنا أطلب مثالات في هذا الباب، يستفتيني فيه وهو:
فيَا أيها الحيرانُ في ظلمِ الدجَى ... ومن خافَ أن يلقاهُ بغيٌ من العدَى
تعالَ إليه تلقَ من نورِ وجههِ ... ضياءً ومن كفيهِ بحراً من الندَى
وقد كان هذا الرجل يسمعني كثيراً أخوض في أشياء من نقد الشعر، فيعي بعض ذلك، ويستجيد الطريق التي أوضحها له، فلما وقع هذان البيتان في قصيدة له، ولاح له ما فيهما من العيب، ولم يتحققه صار إلي فيهما، وذكر انه عرضهما على جماعة من الشعراء وغيرهم، ممن ظن أن عنده مفتاحاً له، وأن بعضهم جوزهما، وبعضهم شعر بالعيب فيهما ولم يقدر على شرحه، فذكرت له الحال فيه، وأثبت البيتين في هذا الباب مثالاً.
ووجه العيب فيهما: أن هذا الشاعر، لما قدم في البيت الأول الظلم وبغي العدى، كان الجيد أن يفسر هذين المعنيين في البيت الثاني بما يليق بهما، فأتى بإزاء الإظلام بالضياء، وذلك صواب، وكان الواجب أن يأتي بإزاء بغي العدى بالنصرة أو بالعصمة أو بالوزر أو بما جانس ذلك مما يحتمى به الإنسان من أعدائه، فلم يأت بذلك وجعل مكانه ذكر الندى، ولو كان ذكر الفقر أو العدم لكان ما أتى به صواباً.
وقد يتفرع من هذا الباب خطآن إذا وقعا فيه، خرجا إلى بابين آخرين من أبواب عيوب الشعر.
أحدهما: أن يكون هذا الشاعر مثلاً لو لم يأت بخلاف القسم الثاني، بل تركه، لدخل في باب الخلل؛ ولو لم يتركه، بل أتى به وزاد عليه، لدخل في باب الحشو، وقد ذكرنا هذين البابين في مواضعهما.

الصفحة 78