كتاب نقد الشعر

نسب الشيء إلى ما ليس منه:
ومن عيوب المعاني: أن ينسب الشيء إلى ما ليس منه، كما قال خالد بن صفوان:
فإن صورةٌ راقتكَ فاخبُرْ فربَّما ... أمرَّ مذاقُ العودِ، والعودُ أخضرُ
فهذا الشاعر بقوله: ربما أمر مذاق العود والعود أخضر.
كأنه يومئ إلى أن سبيل العود الأخضر، في الأكثر، أن يكون عذباً، أو غير مر، وهذا ليس بواجب، لأنه ليس العود الأخضر بطعم من الطعوم أولى منه بالآخر.
ولنتبع ما تكلمنا به في عيوب المعاني بما في الأقسام الأربعة المؤتلفة. من ذلك: عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى. فمنها:
الإخلال:
وهو أن يترك من اللفظ ما به يتم المعنى.
مثال ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحب من الأكثر الرائث
فإنما أراد أن يقول: عاجل ما أشتهي مع القلة أحب إلى من الأكثر المبطئ فترك مع القلة وبه يتم المعنى.
ومثل ذلك قول عروة بن الورد:
عجبتُ لهم إذ يقتلونَ نفوسهمْ ... ومقلتهمْ عند الوغَى كان أعذرَا
فإنما أراد أن يقول: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم في السلم، ومقلتهم عند الوغى أعذر فترك في السلم.
ومن هذا الجنس قول الحارث بن حلزة:
والعيشُ خيرٌ في ظِلا ... لِ النوكِ ممنْ عاَش كدَّا
فأراد أن يقول: والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل فترك شيئاً كثيراً، وعلى أنه لو قال ذلك لكان في هذا الشعر خلل آخر، لأن الذي يظهر أنه أراده، هو أن يقول: إن العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل فأخل بشيء كثير.
ومن هذا الجنس نوع آخر، وهو كما قال بعضهم:

الصفحة 85