كتاب نقد الشعر
يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية، ويتمه في البيت الثاني، مثال ذلك قول عروة بن الورد:
فلو كاليَوْم كان علي أمرِي ... ومَنْ لك بالتدبُّرِ في الأُمُور
فهذا البيت ليس قائماً بنفسه في المعنى، ولكنه أتى بالبيت الثاني بتمامه، فقال:
إذاً لملكتُ عصمَة أمِّ وهبٍ ... علَى ما كان من حسَك الصدورِ
وقال امرؤ القيس:
أبعدَ الحارثِ الملكِ ابن عمروٍ ... وبعدَ الخيرِ حُجْرٍ ذِي القبابِ
فالمعنى ناقص عن تمامه، فأتمه في البيت الثاني، وقال:
أرجِّى من صروفِ الدهرِ ليناً ... ولم تغْفُلْ عن الصمّ الصلابِ
عيوب ائتلاف المعنى والقافية: منها:
التكلف في طلب القافية: أن تكون القافية مستدعاة قد تكلف في طلبها، فاشتغل معنى سائر البيت بها، مثل ما قال أبو تمام الطائي:
كالظبيَة الأَدْمَاءِ صافتْ فارتعتْ ... زهَرَ العَرَارِ الغضَّ والجَثْجَاثا
فجميع هذا البيت مبني لطلب هذه القافية، وإلا فليس في وصف الظبية بأنها ترتعي الجثجاث كبير فائدة، لأنه إنما توصف الظبية إذا قصد لنعتها بأحسن أحوالها بأن يقال: إنها تعطو الشجر، لأنها حينئذ رافعة رأسها، وتوصف بأن ذعراً يسيراً قد لحقها، كما قال الطرماح:
مِثْلَ ما عَايَنْتَ مَخْرُوفة ... نصَّها ذاعِرُ رَوْعِ مُؤامْ
فأما أن ترتعي الجثجاث، فلا أعرف له معنى في زيادة الظبية من الحسن، لا سيما والجثجاث ليس من المراعي التي توصف بأن ام يرتعى يؤثره: الإتيان بالقافية لتكون نظير لأخواتها في السجع: ومن عيوب هذا الجنس: أن يؤتى بالقافية لتكون نظيرة لأخواتها في السجع، لا لأن لها فائدة في معنى البيت، كما قال علي بن محمد البصري:
وسابِغَةُ الأذيالِ زَغْفٌ مُفَاضَةٌ ... تَكَنَّفَها مِنِّي نِجَادٌ مُخَطَّطُ
في وصف الدرع وتجويد نعتها.
فليس يزيد في جودتها أن يكون نجادها مخططاً، دون أن يكون أحمر أو أخضر، أو غير ذلك من الأصباغ، ولكنه أتى به من أجل السجع.
ومن هذا الجنس: قول أبي عدي القرشي:
الصفحة 88
93